Top Ad unit 728 × 90

Music
.

آيت باعمران



تعتبر انتفاضة آيت باعمران 23 نونير 1957 ملحمة مشرقة من ملاحم الشعب المغربي ضد الإمبريالية الأوربية خلال القرن 20. هذه الفترة التي تحمل الكثير من الملابسات التاريخية من طمس وتزييف للحقائق حيث ركزت أغلب الكتابات التاريخية للمؤرخين المغاربة على دراسة الأسر الحاكمة مما جعل إنجازات الشعب المغربي خارج التاريخ، إلا أننا نحن أبناء اليوم على وعي تام بضرورة إعادة كتابة تاريخ المغرب من أجل فهم عميق لمحددات مجتمعنا بغية تحقيق مستقبل مشرق، وتلك مسؤولية كل الأقلام الحرة.
تقع آيت ياعمران في الجنوب المغربي من وادي سيدي محمد بن عبد الله شمالا إلى وادي أساكا جنوبا، ويحدها شمالا الساحل وجنوبا الصحراء وشرقا لاخصاص وآيت براييم وغربا المحيط الأطلسي. وتضم سبعة فيدراليات قبلية: آيت الخمس، آيت إخلف، آيت إعز، آيت النص، آيت عبلا، إمستيتن، إصبويا.سيتعرض هذا التكتل القبلي لأول إجحاف في حق تاريخه إبان توقيع معاهدة تطوان 1860 بين عبد الرحمان بن هشام وسلطان إسبانيا، هذه المعاهدة التي خولت لإسبانيا حق التدخل في سيدي إيفني وهو القطاع المقابل لجزر كناريا والمسمى لدى الأسبان santa cruz de mar pequina
.هذا التنازل المخزني لإسبانيا في حق آيت باعمران لا زال يطرح سؤال لماذا بالضبط منطقة آيت باعمران؟
ومنذ ذلك الحين وآيت باعمران تقاتل بالغالي والنفيس من أجل الأرض والهوية رافضة أية محاولة تدخل في مجالها الترابي بتماسكها القبلي وبإدراك المخزن لخطورة الأوضاع التي يتخبط فيها المغرب في هده الظرفية التاريخية بين تمردات القبائل وبين تزايد الأطماع الأجنبية، عمل على توقيع معاهدة الحماية 1912 مع فرنسا والتي تجسد إرادة سياسية للسلطان مولاي عبد الحفيظ الذي طلب تدخل القوات الفرنسية لحمايته من القبائل حيث ستقوم فرنسا بعد معاهدة الحماية بعدة محاولات للتوغل إلى آيت باعمران بعد أن وصلت إلى أزغار. إلا أنها فشلت في تجاوز هده الجبال المنيعة وكانت أقوى تلك الحملات العسكرية تلك التي قادها عميل فرنسا حيدة مايس المنبهي سنة 1912 والتي انهزم فيها شر هزيمة في بوادي إكاليفن بأكادير زكاغن رغم حداثة الأسلحة التي يمتلكها جيشه، ليقطع رأس قائد هذه الحملة العسكرية حيدا مايس المنبهي ويطاف به لمدة شهر في أسواق القبائل الباعمرانية ليتبين لفرنسا أن مجال آيت باعمران ليس بالسهل التوغل إليه لسبب واحد كثيرا ما كتب عنه المؤرخون الغربيون أمثال
Justinar M.Fiber. وقليلا ما تناولته أقلام مؤرخينا في تحليلاتهم للأحداث التاريخية بالمغرب، إنها الرغبة في الانتصار والاشتياق إلى الحرب وهو ما ذكره: M.le chatelierC’est en même temps une cause de guerre permanente puisque tout le pays est amené à prendre part au moins conflit. Il faut croire que cela plait aux chleuh, cette vaste solidarité ce trait de leur caractère.
فقبائل آيت باعمران كانت دائما في صراعات قبلية سواء تعلق الأمر بين بعضها داخليا أو بينها وبين قبائل أخرى خارج مجال آيت باعمران أو بينها وبين المخزن من خلال تك
jلات عسكرية أو تحالفات كحلف تاكيزولت وحلف تحكات وآيت باعمران كانت دائما ضمن حلف تاكيزولت. هذا الحلف الذي كان له دور بارز في تاريخ سوس إلا أنه لم يكتب عنه إلا القليل ونجهل عنه الكثير، هكذا إذن ستحاول فرنسا بعد القضاء على عدة قبائل في سوس وإخضاع القواد وتنظيمهم بمحاولة كسر شوكة الباعمرانيين وتنظيم حملة عسكرية بمشاركة أغلب القبائل الموالية لها بقيادة الجنرال دولاموط سنة 1917 ، هذه الحملة التي تعرف في الذاكرة الشعبية لآيت باعمران بالحملة الجنرالية والتي يقول عنها الشاعر الباعمراني:
men Taza ar Tiznit

Igad kullu srngh yan
ومعناه بالعربية أن الكل من تازة إلى تزنيت قادم لاحتلال آيت باعمران، لكن لا شيء من ذلك وقع، فقد كانت مقاومة آيت باعمران سدا منيعا لفرنسا لغزو الجنوب المغربي وبقيت آيت باعمران منطقة الثوار والرافضين لأية مساومة إلى حيث ستجلس فرنسا إلى طاولة المفاوضات وسيتم توقيع هدنة أو اتفاق الهنا بين قبائل آيت باعمران والمخزن بثلاثاء لاخصاص 1934 ومن أهم ينودها:
ـ يشمل هذا الهنا كافة قبائل آيت باعمران ما عدا أهل الساحل الذين هم كافة في المنطقة الفرنسية…
ـ تلتزم قبائل آيت باعمران بامهيد الهنا والصلح في جميع الأحوال فيما بينهم وبين المخزن والمصارفة معه بالإحسان.
ـ يخرجون من بلادهم جميع القبائل التي هي عاصية للمخزن خصوصا آيت حربيل وآيت خباش ويمنعوهم من السكنى ببلادهم.
ـ تلتزم قبائل آيت باعمران بحفظ جميع الطيارات التي عسى أن تقع ببلادهم…
ـ التزام المخزن بأن لا يدخل بلاد آيت باعمران التي هي في المنطقة الفرنسوية بل الإسبانية على حساب الحدود التي ستغير في المستقبل حسبما ذكر أعلاه.
ـ التزام أيضا السماح لآيت باعمران بالمرور في منطقته ويتسوق أسواقه غير أن السلعة المجلوبة من هذه الأسواق خاصة بآيت باعمران…
اتفاقية لخصاص 1934 ستبين بالواضح فشل فرنسا في القضاء على تكتل قبائل آيت باعمران والرغبة في التعامل التجاري وتقزيم المجال الترابي لآيت باعمران بالسيطرة على الساحل.
وأمام مخلفات الأزمة الاقتصادية العالمية 1929والحروب مع أقوى الإمبرياليات الأوربية كفرنسا بالإضافة إلى سنوات الجفاف والمجاعة وما كان على قيادات آيت باعمران إلا التفاوض مع إسبانيا بضغط منها حول دخول مجال آيت باعمران حيث سيتم توقيع اتفاق إمزدوغ بإصبويا سنة 1934 بحضور ممثل الحكومة الإسبانية الكولونيل كباص وشيوخ قبائل آيت باعمران، هذا الاتفاق الذي تتلخص مضامينه في التعامل التجاري والمصارفة مع إسبانيا باحترام قبائل آيت باعمران بتقاليدها وأعرافها وديانتها ومواطنيها. إلا أن نوايا إسبانيا الخفية ستنكشف بعد توطيد أجهزتها الإدارية والعسكرية بآيت باعمران وبعد إيقاع الباعمرانيين في فخ المشاركة في الحرب الأهلية الإسبانية سنوات (36-39) لتكسير شوكة المقاومة الباعمرانية وتصديرهم للموت من أجل ديكتاتورية فرانكو وسيكون صدور قانون التجنيس 17 ماي 1947 القطرة التي أفاضت الكأس بخرق مواثيق اتفاق أمزدوغ بين آيت باعمران وإسبانيا بمحاولة سلخ آيت باعمران عن هويتهم وحضارتهم وتقاليدهم وديانتهم وجعلهم إسبانيين بالقوة وهو الأمر الذي أيقظ هواجس المقاومة لدى رجالات آيت باعمران لتتكتل من جديد لترد إسبانيا باعتقالات وسجن شيوخ آيت باعمران من بينهم أمغار سعيد الخمسي ونقلهم إلى سجونها بالصحراء خاصة الداخلة، الكويرة مما زاد من حدة التوتر والمواجهة بين المقاومة والجيوش الإسبانية المتمركزة بسيدي إيفني خاصة ومراكز متعددة في أسواق القبائل، وسيتم الإعداد لثورة 23 نونبر1957إنطلاقا من جبهة تاكنزا والتخطيط لقنبلة جميع المراكز الإسبانية.وزادت تجربة المحاربين الباعمرانين العائدين من الحرب الأهلية الإسبانية من إمكانية فهم الخطط العسكرية الإسبانية ضمن المنظور التاريخي لجبهة تاكنزا من أجل تحرير آيت باعمران ما هي إلا وجها من وجوه ذلك التحالف القبلي بالجنوب المغربي لمواجهة أي تدخل أجنبي في حرمة وكرامة الباعمرانين وقد تغنت الباعمرانيات بأبيات شعرية حماسية للمقاومة
أمار كيدإسوكن أأبوهيا إحيا امغار د الكامل غوز يلال اداغ نحيو تاكيزولت إمنيت تموت
ومعناه: أينك يا بوهيا و إحيا أومغار الكامل من ازيلال للأحياء تاكيزولت فقد ماتت جبهة تاكنزا من أجل تحرير آيت باعمران كانت محاولة إحياء التكثل القبلي بعد الضعف الذي أصابه بفعل توالي سنوات الحروب مع المخزن ثم فرنسا وأخيرا إسبانيا، وانطلقت ثورة 23 نونبر 1957 أي سنين بعد خروج الاستعمار الفرنسي بالمغرب وأولى إرهاصات تشكل الحكومات السياسية بالمغرب وتشكل جيش التحرير وأساطير ما يسمى في أدبيات مؤرخينا بـ"الحركة الوطنية" وبعيدا عن هذا الصراع السياسي ستستمر مقاومة آيت باعمران في ظرف أقل من شهر وتمت السيطرة على جميع مراكز الجيش الإسباني: مركز اسكا + مركز أملو + مركز ثلاثاء إصبويا + مركز تبلكوكت + مركز أربعاء إمستتن… وضمن المعارك التي خاضتها المقاومة بشراسة معركة بويجاريفن + اسيق أوندر + تحنوت نبلا… وبفضل المقاومة الصامدة و نكران الذات والتشبث بالأرض تم تحرير جميع تراب آيت باعمران باستثناء مدينة إيفني التي لجأت إليها القوات الإسبانية معززة بالأسلحة الثقيلة وظلت محاصرة بمقاومة آيت باعمران إلى غاية 1969 وقد وصل عدد شهداء ثورة العز والكرامة أزيد من 104 شهيدا وبلغ عدد القتلى في صفوف القوات الإسبانية أزيد من 1700 قتيل وحتى لا تتكبد إسبانيا المزيد من الخسائر لجأت إلى طرح قضية إيفني في أوائل شهر يناير بين وزير خارجية البلدين في سينترا بالبرتغال حيث حصل المغرب على جزء من الساقية الحمراء أو ما يعرف بإقليم طرفاية ودخلته القوات المغربية أبريل 1958 واستمر الباعمرانيون في المقاومة بالقبض على عدد من الجنود الأسبان واحتجزوهم كرهائن وذلك خلال حوادث سيدي إيفني ووادي الذهب ثم تسليمهم فيما بعد للسفير الإسباني في حفل بالقصر الملكي بحضور محمد الخامس، وستبقى مدينة إيفني محاصرة بمقاومة أي باعمران إلى غاية ماي. وأمام الالتباسات التي عرفتها الساحة الوطنية لما بعد 1956 من صراعات سياسية غالبا ما تتم وراء الستار وبعيدا عن الجماهير، وقليل منها كان يطفو على السطح أو يأخذ أشكالا درامية كاغتيال بعض رجالات المقاومة وكذا ملاحقة الشبيبة المغربية ذات الخيار التقدمي، وهنا لعبت آيت باعمران دورا تاريخيا بلجوء العديد من المقاومين والأطر الحزبية الحاملة للفكر الاشتراكي إلى آيت باعمران كمجال لممارسة أنشطتهم النضالية ومن أهمهم: بن سعيد آيت إيدر، شيخ العرب، حسن الساحلي…
إنما كتاباتنا حول هذه الذكرى المجيدة من تاريخ قبائل آيت باعمران هو تعبير بل افتخار بهذا الإرث التاريخي في سبيل الانعتاق والتحرر ودرس يجب استقراؤه بعمق لإحياء الثقة في الحاضر والأمل في المستقبل، هذا الأمل المعقود على شبيبة وأحفاد صانعي هذا التاريخ ليتحركوا من أجل رد الاعتبار للكثير من الرموز التاريخية وتصحيح التاريخ المغربي من الغموض وتزييف الحقائق، ومحاكمة ذوي الماضي الأسود والضغط على حكومات الدول الاستعمارية من فرنسا وإسبانيا لرد الاعتبار والاعتذار عن سلوكاتها اللإنسانية خلال المرحلة الاستعمارية.
فمعاهدة فاس 19 ماي 1969 الموقعة بين وزير خارجية المغرب العراقي وبين ممثلي الحكومة الإسبانية كانت مرفوقة ببروتوكول يضم العديد من الالتزامات التاريخية بخصوص منطقة آيت باعمران من أهمها:
ـ بقاء القنصلية الإسبانية بإيفني.
ـ تدريس اللغة الإسبانية بآيت باعمران.
ـ الحفاظ على المنشآت الثقافية والإدارية الإسبانية لخدمة مواطني وشباب آيت باعمران.
ـ فتح الطريق التجارية بين جزر كناريا وسيدي إيفني.
ـ المنار، المطار…
لكن لا شيء من هذا بقي ولا شيء تحقق ومنذ ذلك الحين وإلى الآن وآيت باعمران تتجرع مرارة سياسة التفقير والتهميش الممنهج ولم تشملها أية تنمية باستثناء مجهودات المجتمع المدني. فإسبانيا الملزمة بتقديم اعتدار للريف من جراء الإبادة الجماعية للمقاومة الريفية بالغازات السامة ملزمة أيضا برد الاعتبار للباعمرانيين المشاركين في الحرب الأهلية الإسبانية وتقديم المساعدات المادية والمعنوية لأسر هؤلاء المحاربين والعمل على فتح الطريق البحرية بين جزر كناريا سيدي إيفني لتعجيل التنمية بالمنطقة وغيرها من القضايا التي تم التوقيع عليها في معاهدة فاس 1969، والعمل على إخراج قبائل آيت باعمران من العزلة والتهميش وإنقاذ ما تبقى من شبابها من قوارب الموت، وحتى لا ننسى أن هناك تاريخا كتب بدماء الباعمرانيين لا بد من رد الاعتبار له وإنصافه.
بقلم: عبد النبي إدسالم الباعمراني
آيت باعمران Reviewed by Unknown on 3/19/2010 01:12:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوضة لموقع تاشلحيت Tachlhit © 2014 - 2015

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.