قناة أمازيغية أم قناة مخزنية باسم الأمازيغية؟
مادامت هذه القناة قد أصبحت أمرا واقعا, فسنحاول في هذا المقال دراسة خطاب السيد الوزير بالدقة والتحليل, كما سنحاول رصد الثغرات والتناقضات الخطيرة الواردة فيه, لنصل في النهاية إلى نتيجة مفادها أن هذه القناة ماهي إلا قناة مخزنية باسم الأمازيغ.
وصف السي الناصري هذه القناة بكونها قناة عامة وغير متخصصة, وملكا مشاعا لكل المغاربة!! وهنا يطرح السؤال; إذا لم تكن هذه القناة متخصصة في بث وتشجيع الإنتاج الأمازيغي فما الداعي إلى وجودها أصلا؟! ثم إذا كانت فعلا ملكا مشاعا لكل المغاربة فلماذا لاتفتح مباراة توظيف أطرها وصحا فييها في وجه كل المغاربة الغيورين على الأمازيغية والفاعلين الحقيقيين في الحقل الأمازيغي؟؟ ومادامت كذلك ملكا مشاعا فهذا يعني أنها ستكون عرضة لكل من هب ودب حتى من ألذ أعداء الأمازيغية وكلنا نعرفهم ولا داعي لذكرهم بالأسماء, أما إذا كان الوزير يقصد بقوله-قناة عامة وغير متخصصة- أنها لن تكون مستقلة فهومحق في ذلك مادامت التلفزة المغربية مجرد تلفزة مجرورة وتابعة وعبيدة الأوامر, وهنا يطرح السؤال ثانية. ما الفائدة من قناة مجرورة وغير مستقلة؟؟ ففي ظل انعدام الإستقلالية; فإن هذه القناة ستنضاف إلى القنوات الأخرى, التي ماهي إلا أبواق للمخزن بلغات مختلفة; العربية -القناة الأولى-,العربية والفرنسية-القناة الثانية-, وأخيرا الأمازيغية-تمازيغت-, فكلها قنوات متخصصة في وضع المكياج لبلد متخلف, بلد ينخره الفساد من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين, بلد تحكمه اللوبيات والمافيات التي لاتقيم للمسئولية وزنا, بلد المولود فيه منحوس والخارج منه مسعود, فهل قناة تمازيغت ستحكي كل هذه الحقائق وغيرها من الحقائق المرة؟! أما أنا فلا أعتقد ذلك, بل ستحيى هي الأخرى بشعارات -كولو العام زين- و -ماخصنا والو- و-كلشي بخير- و-المغرب ما كاينش بحالو-, والجديد الذي ستأتي به هذه القناة هي ترجمة هذه الشعارات إلى الأمازيغية!!
من ضمن ماجاء كذلك في خطاب السيهم الوزيرمايلي; -وسنسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب بفضل التضحيات والقناعات الراسخة لكل العاملين بالقطاع- فمن هم هؤلاء العاملون بالقطاع؟ وهل الناصري يحشر نفسه في زمرتهم؟ ليس هذا هو المهم, ولكن المهم; ماذا حقق هؤلاء الذين يصفهم بالعاملين من قبل حتى نتحدث عما يسميه مزيدا من المكاسب في المستقبل؟؟ والأهم من كل هذا وذاك هو; إذا كانوا هؤلاء مناضلين قدموا تضحيات حسب الوزير, فماذا نعتبر من قتل وعذب ومن اختطف ومن لايزال قابعا في السجون من أجل القضية الأمازيغية وحقها في الإعلام؟!! وهل ستفتح هذه القناة ملفاتهم للبحث والنقاش؟؟ وفيما يخص المؤسسة التي تعتبر نفسها بمثابة الواصي الشرعي على الأمازيغية في المغرب , والتي يصطلح عليها بالمعهد الملكي للثقافة الأم ازيغية,فعميدها بوكوس يضع خبرة هذه المؤسسة- التي يقول عنها في كل مناسبة أن دورها مجرد دور إستشاري-رهن إشارة هذه القناة, مما يعني أن هذه المؤسسة أو الأصح العاملون بهذه المؤسسة ما هم إلا مجرد دمى تحركهم أيادي خفية وأخرى ظاهرة متى شاءت وكيف شاءت, والسؤال هنا حول هذه المؤسسة ومتى سيصبح دورها أو سلتطها سلطة تقريرية وتنفيذية؟ للإجابة عن هذا السؤال الإستنكاري يكفي الرجوع إلى طريقة تأسيسها; فما هي إلا مؤسسة تابعة وغير مستقلة, إذا قال مؤسسوها للأمر كن فيكن, شأنها شأن القناة الأمازيغية أو القناة الناصرية الأمازيغية أو الفاسية الأمازيغية أو سميها ما شئت.
أورد الناصري في خطابه الذي لم يفهمه إلا القليلون لاختلاف لغتهم مع اللغة التي خاطبهم بها كما قلنا انفا, وحتى أولئك الذين يعتقدون أنهم فهموه فأغلبهم ربما لم يفهمه!! قلت ورد في هذا الإعلان; أن هذه القناة لن تكون كالقنوات الأخرى, بل ستبث من إنتاجها الخاص, وهنا نسجل تناقض كلام الوزير مع ما قاله سابقا من أن هذه القناة لن تكون قناة متخصصة!! ومادمنا بصدد الحديث عن إنتاج هذه القناة, من حقنا أن نتساءل; أي إنتاج, ومن هم الساهرون على هذا الإنتاج؟؟ أي إنتاج في ظل الرقابة والوصاية المفروضة على الصحافة بمختلف ألوانها؟؟ وفي سياق حديثنا عن الإنتاج كذلك, أورد الناصري أن 70 في المئة من برامج القناة ستكون بالأمازيغية و30 في المئة بالعربية فأي إنتاج خاص هذا؟!! ثم مادام وزيرنا يعرف نسبة برامج هذه القناة, فهذا يعني أن هذه البرامج وحصصها وتوقيت بثها قد طبخت من قبل في مطبخ وزارة الداخلية أو وزارة الإتصال أو وزارة الثقافة أو غيرها, ولاتستغرب عزيزي القاريء إذا قلنا مطبخ وزارة الداخلية; لأننا في وطن كانت فيه وزارة الداخلية والإعلام إلى وقت قريب بيد شخص واحد, واستحق هذا الأمر أن يكون بالفعل أعجوبة القرن الواحد والعشرين في بلد إذاكنت فيه فلاتستغرب!! فلاداعي للإستغراب كذلك إذ قلنا أن سيناريو القناة الأمازيغية أعد في الكواليس من طرف وزارة البوليس.
جاء في حديث محمد مماد مدير القناة أن برامج قناته تتمثل في; إبداعات ,و الشأن المحلي , و أرشيف الأولى ودوزيم... وهذه كلها برامج بالعربية, ولكن مايهمنا هنا هو أرشيف الأولى والثانية ;حيث نسجل مرة أخرى تناقضا بين كلام مماد وكلام الناصري الذي سبق أن وصف هذه القناة بكونها قناة مختلفة عن سابقاتها وستبث من إنتاجها الخاص, فهل أرشيف الأولى ودوزيم من إنتاجها الخاص؟!! أما كونها قناة مختلفة فنحن لانختلف مع الوزير في ذلك, فهي كما قلنا سابقا ستكون بمثابة مترجمة لما يسميه مماد أرشيف الأولى والثانية وهذا ماسيجعلها مختلفة عنهما.
في معرض مدحه لهذه القناة, قال السي الوزير بأنها- قناة غيرمنكفئة على ذاتها بل ستوظف أساسا الإختلاف باعتباره قيمة مضافة في الهوية المغربية- والسؤال ;ماذا يقصد وزيرنا بالهوية المغربية؟؟ وماذا يقصد بالإختلاف؟؟ والإختلاف حاصل بين من ومن؟؟ ثم إذاكان هناك اختلاف فلماذا لم يتم تجسيده في القنوات الأخرى التي تعمل منذ زمان؟؟ ما الفائدة من إعتماد مبدأ الإختلاف مادامت هذه القناة مختلفة أصلا عن سابقاتها كما يقول الوزير؟؟ ودائما وفي سياق محابته ومجاملته لهذه القناة قال السيد الوزيربأن هذه القناة -قناة للإنفتاح والتسامح والحداثة والتطوير-,وكأن الأمازيغ الذين نصب الناصري ومن معه قناة تمازيغت للحديث باسمهم ليسوا متسامحين وليسوا حداثيين وليسوا منفتحين ولا متطورين, فهم قبل ظهور هذه القناة همجيون ,متوحشون ,منغلقون وغيرمتسامحون, وكأني بالوزير يعتبر هذه القناة بمثابة مايسمونه بالفتح أو الوحي الذي نزل من عند الوزير بلسان عربي ليخرج الأمازيغ من الظلمات إلى النور,ومن حالة التوحش والهمجية إلى حالة الحداثة والتحضر!! ومن جهة أخرى اعتبر الناصري انطلاق القناة يؤرخ لمرحلة مهمة للمسألة الأمازيغية! وهنا يبدو أن السيد الوزير المكلف بالإتصال لايستطيع بعد التمييز بين القضية والمسألة, كما لم يفلح من قبل في التمييز بين الخصوصية والإستقلالية, والتفريق بين الإختلاف والتنوع, أما فيما يخص الطريقة التي تم بها اختيار العاملين بالقناة فيخصها هي الأخرى نقاش مطول; إذ نجهل المعايير المعتمدة في انتقاءهم, فمنهم من لايعرف حتى نطق كلمة تمازيغت بشكل صحيح, ومن هم وجوه فنية معروفة تحولت بقدرة قادرة إلى التحدث بالأمازيغية بعد أن لم يسبق لها الإهتمام بالأمازيغية أوحتى مجرد التحدث بها!! في المقابل تم تهميش الفنانين والمنتجين الحقيقيين الذين حملوا هم الأمازيغية, من خلال إنتاجاتهم التي أمتعوا بها الجمهور المغربي, من أفلام ومسرحيات وأغاني سطرت عناوينها في الفن الأمازيغي بحروف من ذهب, هؤلاء الفنانون الذين يعتمدون على مبيعاتهم في الأسواق للمزيد من العطاءفي ظل تهميش وإقصاء ممنهج, وانعدام الدعم مما يسمى بالمعهد الملكي وما يعرف بوزارة الثقافة التي يبدو أن دورها إغداق الملايير على نانسي وهيفاء وحسني وغيرهم من المشرقيين. وهكذا يبدوجليا من تهميش الأطر الأمازيغية والمنتجين الأمازيغيين الحقيقيين أن هذه القناة لن تخرج عن كونها شركة تعمل بقاعدة-التوظيف في المقربين أولى-.من كل ما تقدم إذن نصل إلى خلاصة مفادها أن هذه القناة ماهي إلا قناة ناطقة بالأمازيغية وليست قناة أمازيغية وشتان بين هذه وتلك!! فهي كما قلنا سلفا مسوق أخر لمكياج المخزن ومساحيقه التجميلية تماما كالأولى والثانية.
وصلنا عزيزي القاريء إلى المرحلة الأهم أو السؤال الأهم وهو; ما البديل إذن؟؟ البديل في نظري الشخصي يتمثل أولا وقبل كل شيء وقبل الإعلان عن انطلاق القناة في الإعلان عن الإفراج الفوري على كل المعتقلين السياسيين الأمازيغيين وكل معتقلي الرأي دون قيد أو شرط, والكشف عن مصير المختطفين ,فما معنى وجود قناة تدعي أنها أمازيغية ومن دافع عن وجودها لا يزالون قابعين في السجون, ومصير بعضهم لايزال غامضا؟!! البديل عزيزي القاريء يتمثل في فرض الديمقراطية الحقيقية التي تعني حكم الشعب وما يريده الشعب هو الصحيح وليس الناصري وأمثاله من يملي علينا ما نريد وما لانريد, البديل عزيزي القاريء في عدم الإستهزاء والإستهتار بحقوق شعب دافع عنه الشرفاء وحرره المقاومون الأبرار, ويأتي اليوم حفدة الخونة ليحلبوا بقرة هذا التحرر الذي لم يكتمل بعد, البديل عزيزي القاريء يتمثل في الإعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية-وأركز على الرسمية وسيأتي مقال أوضح فيه الفرق بين اللغة الوطنية والرسمية والمرسمة- وذلك في إطار دستور ديمقراطي من وضع الشعب وليس من وضع من لهم المصلحة في وضعه, دستور يرفع القداسة والعصمة عن الأشخاص ,ويضمن استقلال القضاء, ويعتمد فصل السلط كمبدأ ,البديل يكمن في تحريرالقطاع الإعلامي بمختلف تلاوينه, وفتح الأبواب أمام الطاقات الشابة الراغبة في إنشاء قنوات وإذاعات مستقلة بعيدا عن الديماغوجية الخاوية والإستغلال السياسي المقيت, في إطار الحرية والإستقلالية, وذلك بالإعتماد بمن هم أدرى بشؤون الأمازيغية من منتجين وفنانين حقيقين ذوي السبق إلى الإهتمام بالأمازيغية, الذين ضحوا بكل شيء خدمة للفن والإعلام الأمازيغي,ولم ينتظروا ولادة هذه القناة ليطلوا علينا بوجوههم كما فعل بعض أشباه الفنانين المسترزقين على الأمازيغية وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهؤلاء المنتجين, هذه هي في نظري بعض البدائل الكفيلة بالسير بهذا الوطن الجريح إلى الأمام, أما أن ننتظر من الناصري أومن غيره أن يجود علينا بقناة أمازيغية كما نريدها وهو الذي لايستطيع بعد التمييز بين الكلمات فهيهات هيهات.
مصطفى ملو
قناة أمازيغية أم قناة مخزنية باسم الأمازيغية؟
Reviewed by Unknown
on
3/12/2010 01:55:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: